فصل: مسألة قال عند موته مسلمو رقيقي أحرار:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة قال عند موته مسلمو رقيقي أحرار:

قال أشهب في رجل قال عند موته: مسلمو رقيقي أحرار، فلما مات الرجل ادعى رقيقه كلهم أنهم مسلمون، وادعى ولد الميت إنهم كلهم نصارى، وليست ثم بينة تعرف من كان مسلما، ولا من كان منهم نصرانيا، على من تكون البينة؟ أعلى الورثة إنهم نصارى، أو على العبيد أن يأتوا بالبينة أنهم كانوا مسلمين حتى مات سيدهم؟ وإن كانوا كلهم مسلمين ولم يسعهم الثلث، كيف يصنع بهم؟ قال أشهب: البينة على الورثة إنهم نصارى، إذا ادعى العبيد أنهم مسلمون، ولو قال الميت: نصارى رقيقي أحرار، فادعوا أنهم نصارى، وقال الورثة: بل هم مسلمون، فعلى الورثة البينة أنهم مسلمون، وفي سماع عبد الرحمن بن أشرس عن مالك مثله.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن من ادعى خلاف ما قال الميت فهو المدعي، وقد أحكمت السنة أن البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر؟ إلا أنه لا يمين هاهنا على المنكر؛ لأن العتق قد وجب له بكونه على الدين الذي قال الميت أن يعتق من كان عليه، فعلى من أراد أن يرقه البينة، فإن لم تكن له بينة، لم يكن على المدعى عليها الرق يمين، إذ لا يمين على من ادعي عليه أنه عبد، وبالله التوفيق.

.مسألة هلك وترك امرأة حاملا وترك أولادا:

وسألته: عن رجل هلك وترك امرأة حاملا، وترك أولادا، كيف يصنع في ميراثه؟ فقال: يوقف الميراث ولا يقسم منه شيء حتى تضع المرأة، قيل له: فإن قالت الورثة: نحن نجعل الحمل ذكرا ونعزل له ميراثه، فقال: ليس ذلك لهم.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، إن الواجب أن يوقف الميراث ولا يقسم حتى يوضع الحمل، فإن عزلوا للحمل ميراثه- على أنه ذكر، وقسموا بقية الميراث، لم يكن لهم رجوع على ما وقفوه للحمل إن نقص ما في أيديهم أو هلك، وإن تلف ما وقفوه للحمل رجع عليهم إن وجدهم أملياء، وإن كان بعضهم أملياء وبعضهم عدماء، رجع على الأملياء فقاسمهم فيما وجده في أيديهم، واتبع عدماء وهو وهم، كالغريم يطرأ على الورثة، لا كالوارث يطرأ على الورثة؛ لأنهم تعدوا فيما صنعوا من اقتسامهم بقية التركة، ولو لم يتلف ما وقفوا للحمل وكان قد نما ما في أيديهم، لكان له الرجوع في ذلك؛ لأن قسمتهم لا تجوز، ولو نما ما وقفوه للحمل، وكان لهم في ذلك حق؛ لأنهم قد رضوا بما أخذوا، فالقسمة تجوز عليهم، ولا تجوز عليه، ولو كان للحمل ناظر فقسم عليه، جازت القسمة لهم وعليهم، وبالله التوفيق.

.مسألة هلك وترك أبويه وامرأته حاملا فأراد أبواه أن يتعجلا ميراثهما:

وسئل: عن رجل هلك وترك أبويه وامرأته حاملا فأراد أبواه أن يتعجلا ميراثهما؛ لأنهما يرثان الثلث على كل حال، قال: ليس ذلك لهما.
قال محمد بن رشد: إنما يرثان الثلث على كل حال إذا كان ترك ولدا، وأما إن لم يترك ولدا، فيرثان الثلث إن وضعت المرأة ولدا حيا أو ابنة حية وأما إن وضعته ميتا، فيرثان ثلاثة أرباع المال بينهما- على الثلث والثلثين، وللزوجة الربع، فالواجب أن يوقف الميراث حتى تضع المرأة على كل حال، فإن كان ترك الميت ولدا وجعلوا الحمل ذكرا وعزلوا له الميراث، واقتسموا ما بقي، كان قياسها والحكم فيها على ما تقدم في المسألة التي قبلها، وبالله التوفيق.

.مسألة عبد أعتقه رجل وامرأة فكان إذا سئل مولى من أنت فقال مولى فلان:

قال: وسمعته يسأل عن عبد أعتقه رجل وامرأة، فكان إذا سئل مولى: من أنت؟ فقال: مولى فلان، ولا ينتسب إلى المرأة، قال: ينتسب إليهما جميعا فيقول مولى فلان وفلانة.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال كان من الحق عليه أن يقر بالولاء لكل واحد منهما؛ لأنه نسب يجب به الميراث عند عدم النسب، كما يجب بالنسب، وبالله التوفيق.

.مسألة أسلم فتسمى باسم إسحاق وأبوه نصراني:

وسمعته يسأل: عن رجل أسلم فتسمى باسم إسحاق، وأبوه نصراني، فإذا قيل له: من أنت؟ قال: أنا إسحاق بن عبد الله، قال: ترك ذلك أحب إلي.
قال محمد بن رشد: أما تسميته إذا أسلم باسم من أسماء الإسلام، فلا كراهة في ذلك، وإنما الذي كره له الألغاز في قوله: إنه ابن عبد الله، فيظن السامع له أنه ابن رجل من المسلمين، فينحو ذلك إلى الكذب، فلذلك كرهه، فقال: تركه أحب إلي، وقد مضى مثل هذا في رسم البز ورسم نذر سنة من سماع ابن القاسم، وقد قيل: إن الألغاز في مثل هذا مما لا يقصد به مكرا ولا خديعة جائز، وإلى هذا ذهب ابن حبيب، وقد مضى في أول سماع أشهب من كتاب الأيمان بالطلاق حكم اللغز في اليمين، وما يجوز منه مما لا يجوز، وفي سماع أبي زيد أيضا من كتاب النذور، وبالله التوفيق.

.مسألة قال لعبده أنت سائبة أنه يحكم عليه بحريته:

وقال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا في السائبة أنه حر وولاؤه للمسلمين هم يرثونه ويعقلون عنه.
قال محمد بن رشد: هذا من قول مالك يدل على أنه من قال لعبده: أنت سائبة، أنه يحكم عليه بحريته، ولا يصدق إن قال: لم أرد به الحرية، إلا أن يكون قوله قد خرج على سبب يدل على أنه لم يرد به الحرية، مثل قول أصبغ من رأيه في رسم البيوع الثاني من سماعه خلاف روايته عن ابن القاسم فيه: أنه لا يكون حرا إلا أن يريد بذلك الحرية، أو يقول له: اذهب فأنت حر وأنت سائبة وبالله التوفيق.

.مسألة أعتق سائبة إنه بمنزلة من أعتق عن جماعة المسلمين:

وسألته: عمن أعتق سائبة، أليس هو عندك بمنزلة من أعتق عن جماعة المسلمين، فولاؤه لهم، وميراثه لهم، وعقله عليهم، فقال لي: بل هو عندي بمنزلة من أعتق عن جماعة المسلمين، فولاؤه لهم، وميراثه لهم، وعقله عليهم.
قال محمد بن رشد: قوله فيمن أعتق سائبة: إنه بمنزلة من أعتق عن جماعة المسلمين، يدل على أنه إكراه عنده في عتق السائبة مثل قول أصبغ في رسم البيوع الثاني من سماعه، خلاف روايته فيه عن ابن القاسم في كراهة ذلك، لما فيه من هبة الولاء، فإن وقع جاز ومضى، وكان الولاء للمسلمين، وحكى ابن حبيب في الواضحة عن ابن نافع مثل قول ابن القاسم، وعن ابن الماجشون: إن عتق السائبة لا يجوز لأحد أن يفعله، فإن فعله كان الولاء له، إن عرف، وإن جهل، فالولاء لجميع المسلمين، وعقله عليهم، وقول ابن الماجشون أظهر، لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الولاء لمن أعتق؛» لأن الولاء إنما كان له من أجل أن نوجب العتق لا من أجل أنه ولي إعتاقه، ولا من أجل أنه كان له بدليل إجماعهم أن من أعتق عبده عن غيره، يكون الولاء للمعتق عنه، وأن من ولى عتق عبد رجل، يكون الولاء لصاحب العبد، فلما كان ثواب عتق السائبة للذي أعتقه سائبة، وجب أن يكون الولاء له، ففي عتق السائبة على ما بيناه ثلاثة أقوال: الجواز، وهو قول مالك في هذه الرواية، وقول أصبغ في سماعه بعد هذا، والكراهة- وهو قول ابن القاسم، والمنع وهو قول ابن الماجشون في الواضحة، وقول ابن نافع في المبسوطة، وبالله التوفيق.

.مسألة مات النصراني الذي أعتقه المسلم:

وقال لي المخزومي: إذا مات النصراني الذي أعتقه المسلم، فإنه لا يرثه مولاه أبدا، وإنما ميراثه لولده وإخوته إن لم يكن له ولد، وبني عمه إن لم يكن له ولد ولا إخوة، فإن لم يكن له أحد من الناس ممن أخذ ميراثه من النصراني، ولم يعرض له فيهم؛ لأنهم لا يكلفون في أصل دينهم البينة، ولو كلفوا البينة على ذلك، لم يأتوا إلا بمن على دينهم، ونحن لا نجيز شهادة غير العدول من المسلمين، فكيف نجيزه من النصارى ممن أراده منهم: وقال: أن نتوارث وأهل ديننا هكذا لم يحل بينهم وبينه، وإن كان الذي أعتقه مسلما فإن أسلموه، ولم يطلبه منهم طالب، أدخلناه بيت مال المسلمين معزولا، لا يكون فيئا حتى يرثه الله، أو يأتي طالب.
قال محمد بن رشد: حكم المخزومي في هذه الرواية في ميراث النصراني يعتقه المسلم بحكم ميراث الذمي على ما وقع لمالك في المبسوطة من أن الذمي إذا مات ولا وارث له لم يعرض لماله؛ لأنهم قد عوهدوا على أن لا يعرض لأموالهم.
قال مالك: لا أرى أن يؤخذ مال الذمي الذي يموت ولا يدع إرثا، وقد فرق بينهما، واختلف في كل واحد منهما اختلافا كثيرا، فالذي يتحصل في ميراث النصراني يعتقه المسلم ثلاثة أقوال؛ أحدها: قول المخزومي هذا: أن ميراثه لأهل دينه لا يعرض لهم فيه، وإن لم يكن له ورثة.
والثاني: أن ميراثه لورثته من أهل دينه على ما يقوله أساقفتهم، فإن لم يكن له وارث من أهل دينه كان لجماعة المسلمين يجعل في بيت مالهم قياسا على الذمي يموت، أن ماله يكون لورثته من أهل دينه، فإن لم يكن له ورثة، كان ميراثه لجميع المسلمين.
والثالث: أن ميراثه لجماعة المسلمين دون ورثته من أهل دينه، وهو نص قول محمد بن مسلمة المخزومي في المبسوطة، ومذهب ابن القاسم فيما يتناول عليه إلا أن تكون له قرابة من عتاقة المسلمين، فيكونون أحق بميراثه من جماعة المسلمين على ما قاله ابن كنانة في سماع أبي زيد من كتاب الولاء والرابع: أن ميراثه لمولاه المسلم المعتق له، قاله عبد الله بن نافع في المبسوطة، وهو بعيد، لقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر» والذي يتحصل في ميراث الذمي من أهل الجزية ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن ميراثه لأهل دينه لا يعرض لهم فيه- وإن لم يكن له ورثة، وهو قول مالك في المبسوطة، وقول المخزومي؛ لأنه إذا قال ذلك في النصراني الذي يعتقه المسلم، فأحرى أن يقوله في الذمي من أهل الجزية.
والثاني: أن ميراثه لورثته من أهل دينه، فإن لم يكن له ورثة من أهل دينه، فميراثه للمسلمين وهو قول ابن حبيب.
والثالث: الفرق بين أن تكون الجزية مجملة عليهم أو على جماعتهم، وهو قول ابن القاسم، وبالله التوفيق.

.مسألة عبد كانت تحته حرة فولدت منه غلاما:

قال: وأخبرني ابن وهب أنه سمع مالكا يسأل عن عبد كانت تحته حرة فولدت منه غلاما، فكبر فصار رجلا، ثم اشترى أباه فعتق عليه، أترى ولاء أبيه يرجع إلى ولاء ابنه؟ فإن ناسا شكوا في ذلك وقالوا: ما نراه، إلا كالسائبة، فقال: ولاؤه لموالي ابنه ينتقل ذلك إليهم، وإنما جر ابنه إليهم ما يجره غيره، ولو اشتراه فأراهم مواليه، يرجع ولاء الأب والابن إليهم.
قال محمد بن رشد: وقع في بعض الأمهات ولاؤه لموالي أم ابنه وهو صواب؛ لأن موالي ابنه هم موالي أم ابنه؛ لأن ولاء ولد الحرة من العبد لموالي الأم، قال سحنون في كتاب ابنه: وهذا قول جميع أصحابنا، إلا ابن دينار، فإنه قال: هو كالسائبة، وولاؤه للمسلمين، والذي قاله مالك وتابعه عليه جمهور أصحابه من أن ولاء أبيه يرجع إلى موالي ابنه هو الصحيح؛ لأن من اشترى من يعتق عليه، فولاؤه له، فإذا اشترى هذا الرجل أباه فعتق عليه كان ولاؤه له وانجر إلى مواليه وهم موالي أمه؟ وإن مات الأب بعد أن مات ابنه ولم يترك ولدا ولا عصبة، وترك مولاه الذي أعتق أمه، كان ميراث الأب له، ولو كان هذا الذي اشترى أباه فعتق عليه معتقا، لجر ولاءه إلى مولاه الذي أعتقه، ولوجب إن مات الأب بعد أن مات ابنه ولم يترك ولدا ولا عصبة وترك مولاه الذي أعتقه، أن يكون ميراث الأب لموالي الابن الذي أعتقه؛ لأن الرجل يرث بالولاء من أعتق من أعتقه وولد من أعتق من أعتقه ومولى من أعتق من أعتقه، ووجه ما ذهب إليه ابن دينار أنه لما كان الابن لا يرث أباه بالولاء، وإن أعتق عليه من أجل أن النسب مقدم على الولاء، لم ير أن يجره إلى مواليه وليس بصحيح، وبالله التوفيق.

.مسألة عبد له امرأة حرة فولدت له أولادا فمرض مرضا شديدا فأعتقه سيده غدوة:

قال: وأخبرني ابن وهب أنه سمعه يسأل عن عبد له امرأة حرة فولدت له أولادا فمرض مرضا شديدا فأعتقه سيده غدوة، ومات العبد عشية، لمن ولاء ولده من الحرة؟ فقال: ولاء ولده منها للذي أعتق أباهم إذا أعتقه وهو حي قبل أن يموت، فذلك أبين لشأنه أن يكون الولاء لسيده الذي أعتقه، ويرثه ورثته الأحرار، فقيل لي: إنه أعتقه عند موته، فقال له هو كما قيل لك إن ولاء ولده لموالي أبيهم الذي كان أعتقه دون موالي أمه إذا كان أعتقه، وهو حي.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال إنه إذا أعتقه وهو حي قبل أن يموت وإن كان في حال اليأس من الحياة، فإنه يكون له بذلك ولاء ولده من الحرة، ويكون أحق بميراثه من موالي أمه؛ لأنه لو كان حرا فمات له وارث وهو في حال اليأس من شدة المرض لورثه، ولو أعتقه وهو مجروح منفوذ المقاتل قبل أن يموت، لتخرج ذلك على قولين، وبالله التوفيق.

.كتاب العتق الثاني:

.قال لرجل في غلام له هو حر إن لم آخذه بخمسة وعشرين دينارا:

كتاب العتق الثاني من سماع عيسى بن دينار من كتاب نقدها نقدها وسئل: عن رجل قال لرجل في غلام له هو حر- إن لم آخذه بخمسة وعشرين دينارا- إن أعطيتني إياه، فأعطاه إياه وقال: هو لك، قال: فذلك له، قال ابن القاسم-: إن شاء أخذه وإن شاء تركه ولا حنث عليه.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه إذا أعطاه إياه وقال: هو لك، فله أن يأخذه وأن يتركه، فإن أخذه بر في يمينه- ولم يكن عليه شيء، وإن تركه، حنث ولم يلزمه شيء؛ لأنه إنما حنث بما في ملك غيره، وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم» فإذا لم يلزمه النذر فيما لا يملك، فأحرى ألا يلزمه الحنث فيه، فقوله وإن شاء تركه ولا حنث عليه، معناه وإن شاء تركه ولا شيء عليه، وقد رأيت لابن دحون أنه قال في هذه المسألة: البيع لازم للمشتري، إلا أن يعفو عنه البائع، وإنما أجاب فيها على الحنث أنه لا يحنث اشتراه أو تركه، فأما البيع فقد لزمه، قال: المسألة المتصلة تبين هذا، وليس قوله بصحيح؛ لأنه لم يلزم نفسه الأخذ، وإنما حلف أن يأخذ، ومن حلف على شيء فله أن يبر، وأن يحنث، فليس للبائع أن يلزمه ما قد جعل لنفسه فيه الخيار، والمسألة التي بعدها لا تشبهها؛ لأنه لما قال له: بعني غلامك وهو حر، كان قد أوجب ذلك على نفسه، وفي ذلك اختلاف حسبما نذكره، وأما هذه المسألة فخارجة من الاختلاف، إذ لم يلزم نفسه الأخذ، وإنما حلف عليه، وبالله التوفيق.

.مسألة قال بعني غلامك بعشرة دنانير على أنه حر:

ومن قال: بعني غلامك بعشرة دنانير على أنه حر، فقال: نعم، فقال: قد بدا لي أن ذلك لازم له.
قال محمد بن رشد: اختلف في الرجل يقول للرجل: بعني سلعتك بكذا وكذا، فيقول له: قد فعلت، فيقول: قد بدا لي، أو يقول له: خذ سلعتي بكذا وكذا، أو اشتر سلعتي بكذا وكذا، فيقول: قد فعلت، فيقول: قد بدا لي، فقيل: إن ذلك كالمساومة يدخل في ذلك من الاختلاف ما يدخل في المساومة، وقيل: إن قوله بعني سلعتك، إيجاب منه على نفسه شراءها بمنزلة أن لو قال: قد اشتريتها، وإن قوله خذ سلعتي بكذا أو لشرائها بكذا، إيجاب منه لبيعها بمنزلة أن لو قال قد بعتها منك بكذا. فقوله: إن ذلك لازم له هو على أحد هذين القولين؛ لأن قوله على إنه حر، لا تأثير له في إيجاب الشراء على نفسه، تخرج به المسألة من الخلاف، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في أول رسم من سماع أشهب وكتاب العيوب، وبالله التوفيق.

.مسألة قال للرجل بكم عبدك قال بعشرة قال هو حر إن بعتنيه بذلك:

وسئل: عن رجل قال للرجل: بكم عبدك؟ قال: بعشرة، قال: وتبيعه بعشرة، قال: نعم، قال هو حر إن بعتنيه بذلك- إن لم آخذه، فقال: قد بعتك، فقال: أحب إلي أن يشتريه وينقده ثم يستقيله.
قال محمد بن رشد: قال في هذه المسألة: أحب إلي أن يشتريه وينقده ثم يستقيله- زيادة على قوله فيها في أول رسم إن شاء أخذه، وإن شاء تركه- ولا حنث عليه، وإنما استحب له ذلك؛ لأنه إذا اشتراه بر في يمينه، وإن لم يشتره حنث، وإذا حنث احتمل أن يعتق عليه إن رضي صاحبه أن يمضيه له بقيمته، وقد قال ذلك ابن القاسم في أحد قوليه في رسم العرية من سماع عيسى من كتاب الصدقات والهبات في العبد بين الشريكين يتصدق أحدهما بجميع العبد على غير شريكه، فلا يبعد أن يقال بالقياس على ذلك من أعتق عبد رجل يلزمه عتقه- إن رضي صاحبه أن يأخذ منه فيه قيمته، ويحمل عليه بأن هذا هو الذي أراد العبد أن يعتق ما ليس له، وبالله التوفيق.

.مسألة رجل سأل ابنا له امرأته أو أجنبيا أن يهب له غلاما ليعتقه:

وقال في رجل سأل ابنا له امرأته، أو أجنبيا من الناس في مرضه أن يهب له غلاما له على أن يعتقه يتقرب به إلى الله ففعل به ذلك على ذلك وأعتقه، ثم مات فقام أهل الدين يريدون أن يردوا عتقه، أن عتقه ماض، وليس لأهل الدين فيه شيء؛ لأنه ليس بمال له، وإنما أعطاه الذي أعطاه على أن يعتقه. قال عيسى: وهو في الصحة كذلك، وهو خارج من رأس المال في المرض، كل ذلك من رأس المال يكون.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه لم يتقرر له عليه ملك إذ وهبه إياه بشرط العتق وولائه له؛ لأن الولاء كان يكون له لو أعتقه عنه فكذلك إذا أعتقه هو بما اشترط عليه من عتقه، وبالله التوفيق.

.مسألة دفع إليه رأس ليبيعه فأعطي به عطاء فقال هو حر من مالي إن بعته ثم باعه:

وقال فيمن دفع إليه رأس ليبيعه فأعطي به عطاء، فقال: هو حر من مالي إن بعته ثم باعه، أنه لا شيء عليه، ولا يعتق عليه، ولو استعين به في شراء رأس فسام به، فقيل له بكذا وكذا، فقال: هو حر من مالي إن أخذته بهذا، ثم أخذه بذلك- والمشتري له واقف، قال: لا شيء عليه أيضا؛ لأنه إنما وجبت الصفقة لغيره.
قال محمد بن رشد: هذا على قياس قوله في المدونة في الذي يقول لعبد لا يملكه: أنت حر من مالي إنه لا يعتق عليه، وإن رضي سيده أن يبيعه منه؛ لأنه إذا قال ذلك في غير اليمين، فأحرى أن يقوله في اليمين، والقياس أن يلزمه في غير اليمين إذا قال في مالي ورضي سيده أن يبيعه منه بقيمته، وأما إذا قال: عبدي فلان حر- إن فعلت كذا وكذا- ولم يقل في مالي، فالقياس ألا يعتق عليه- وإن رضي سيده أن يبيعه منه بقيمته على ما قاله في هذه الرواية في الذي باع عبدا لغيره فحلف بحريته- إن باعه أو اشترى عبدا لغيره فحلف بحريته إن اشتراه؛ لقول النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- «لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم». ويشبه أن يعتق عليه إن رضي الذي باعه منه، أو الذي اشتراه له أن يمضيه بقيمته على أحد قولي ابن القاسم في رسم العرية من سماع عيسى من كتاب الصدقات والهبات في العبد بين الشريكين يتصدق أحدهما بجميعه على غير شريكه فيه أنه يكون له إن رضي شريكه أن يسلم حظه منه بقيمته، وبالله التوفيق.

.مسألة قال لجاريته هي حرة إن وجد بها الثمن أو أكثر:

وفيمن قال لجاريته: هي حرة إن وجدبها الثمن أو أكثر- اليوم- إن لم يبعها، فبعث بها مع رجل يبيعها له وبجارية أخرى صغيرة فباعها الرسول وأرسل إليه يستأمره في الخيار، فقال للرسول: قل له يشترط الخيار في الصغيرة فأخطأ الرسول فقال للموكل يقول لك اشترط الخيار في الكبيرة ففعل، وباع على ذلك، فقال: هو حانث، ورأيته فيها قويا لا يشك. يريد إذا كان اليوم الذي حلف عليه قد انقضى وبقي له الخيار، قال: ولو أن الموكل باعها واشترط الخيار ولم يأمره أن يشترط ذلك، ثم رجع إليه وأخبره بذلك، فقال: اذهب فأنفذ له البيع، فرجع الوكيل فلم يجد المشتري، وغابت الشمس وانقضى ذلك اليوم، قال: إن أشهد الوكيل أنه قد أنفذ له البيع، لم أر على الرجل شيئا، وإن كان لم يشهد على ذلك حين لم يجده وانقضى ذلك اليوم وغابت الشمس، خفت أن يحنث.
قال محمد بن رشد: قال في المسألة الأولى: إنه حانث، لذا كان اليوم الذي حلف عليه قد انقضى وبقي له الخيار مستبصرا في ذلك قويا فيه لا يشك، وقال في المسألة الثانية: إنه إن لم يشهد الوكيل على إمضاء البيع للمشتري حتى انقضى ذلك اليوم وغابت الشمس، خفت أن يحنث، والحنث في الثانية أبين منه في الأولى، وذلك أنه لم يكن من الحالف في المسألة الأولى تفريط في ترك البيع حتى انقضى النهار، بل كان مغلوبا عليه في ذلك بخطى الرسول عليه، وأما المسألة الثانية فالتفريط جاء من قبل الحالف، إذ كان قادرا على أن يشهد هو على إمضاء السلعة للمشتري بالخيار الذي اشترطه الوكيل فيها فإذا لم يفعل وصرف الأمر في ذلك إلى الوكيل، فقد فرط ووجب أن يحنث بلا شك، إلا أن قوله في المسألة الأولى إنه حانث هو المشهور في المذهب المنصوص عليه في المدونة وغيرها: أن من حلف ليفعلن فعلا لا يعذر في تركه بالغلبة على ذلك، إلا أن تكون له فيه نية بخلاف الحالف أن لا يفعل فعلا هذا يعذر فيه بالإكراه على الفعل- وإن لم تكن له فيه نية وقد قيل: إنه لا يعذر بالإكراه على الفعل إلا أن ينويه، وهو الذي يأتي على قول مالك الذي تقدم في رسم الأقضية من سماع أشهب، وقد مضى القول على ذلك هنالك وما يتحصل في المسألة من الاختلاف، وبالله التوفيق.

.مسألة يقول متى ما حدث بي حدث الموت كل مملوك لي حر:

وعن الرجل يقول: متى ما حدث بي حدث الموت، كل مملوك لي حر- وله مماليك، وكسب أيضا مماليك بعد، ثم يموت، قال: يعتقون كلهم ما كان عنده، وما أفاد إذا وسعهم الثلث.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه إذا عم فقال في وصيته ثيابي، أو رقيقي لفلان أو رقيقي أو عبيدي، أو مماليكي، أو كل مملوك لي حر، أن الوصية تكون فيما كان له من الثياب، أو العبيد، يوم يموت، كانوا هم أو غيرهم، أو هم وغيرهم، وقد مضى الكلام على هذا مستوفى في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب من كتاب الوصايا، وتكررت المسألة أيضا في مواضع من سماع أشهب منه وفي سماع عيسى في رسم باع شاة منه أيضا، وبالله التوفيق.

.مسألة تكون لها الجارية المولدة الرائعة فتحلف بعتقها ألا تبيعها ولا تهبها ولا تزوجها:

وعن المرأة تكون لها الجارية المولدة الرائعة فتحلف بعتقها ألا تبيعها ولا تهبها ولا تزوجها، فتأتي الجارية السلطان فتخبره أنها لا تقدر على الصبر بغير رجل، وأنها تخاف على نفسها، قال: لا أرى أن تحنث إلا أن يكون الذي عملت برا- أنها أو أدق به ضررا، فتمنع من ذلك، فإن كان لها نية أني لا أبيعها طائعة، فباعها السلطان، فلا أرى عليها حنثا، وإن لم تكن لهانية، فلا تباع عليها.
قال محمد بن رشد: ليس على الرجل أن يزوج عبده ولا أمته إذا سأله واحد منهما ذلك؛ لأن قوله عز وجل: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] ليس على الوجوب في العبيد والإماء، بدليل قوله: والصالحين، إذ لم يكن عاما في جميعهم كالمعتقة التي لم تحمل على الوجوب، لقوله فيها: حقا على المتقين وعلى المحسنين فلهذا لم ير في هذه الرواية أن تحنث المرأة في يمينها ألا تبيع جاريتها ولا تهبها ولا تزوجها، إلا أن يتبين أنها أرادت بذلك الضرر، فإن تبين ذلك، منعت منه كما قال: بأن تباع عليها إذا كانت لها نية أنها إنما حلفت ألا تبيعها طائعة يريد وتصدق في ذلك مع يمينها على ما قاله في أخر سماع أشهب من كتاب الإيمان بالطلاق: وإن لم تكن لها نية، أعتقت عليها ولم تبع لوجوب العتق عليها فيها ببيعها. وهذا معنى قوله: وإن لم تكن لها نية فلا تباع عليها وتعتق. وقد رأيت لابن دحون في هذه المسألة أنه قال فيها إتباعا لظاهر قوله فيها ألا يبيع السلطان الجارية إلا باجتماع شيئين أن يعلم أنها قصدت الضرر، وأن يعلم أنها أرادت: لا أبيع طائعة، فحينئذ يبيع، وإن انفرد أحدهما، لم تبع عليها: وليس ذلك بصحيح؛ لأن النية لا تعلم إلا من قبلها، فإذا تبين إرادتها الضرر بمنعها حنثت وأعتقت عليها، إلا أن تكون لها نية تدعيها فتصدق فيها وتباع عليها، وهذا الذي قلناه من أنه ليس على الرجل أن يزوج عبده ولا أمته إذا سأله واحد منهما ذلك، هو نص ما في رسم شك من سماع ابن القاسم من كتاب السلطان، وبالله التوفيق.

.مسألة قال اشهدوا أن غلامي فلان حر بخمسين دينارا:

وقال ابن القاسم في رجل قال: اشهدوا أن غلامي فلان حر بخمسين دينارا، وهو حر إن رضي أن يبيعه بخمسين دينارا، فقال فلان قد رضيت، فقال: هو حر وهو بيع، فإن قال: لا أرضى وقد بدا لي، قال: ليس ذلك له وهو حر، قال: فإن قال صاحبه: قد بدا لي بعد ما قال قد رضيت، قال: ليس ذلك له قد باع، قال: وإنما الذي قال مالك الذي يقول: اشهدوا أن غلامي فلان حر من مالي، إن فعلت كذا وكذا- فيفعله، قال: ليس عليه شيء، قال ابن القاسم: والذي يقول لرجل: تبيعني غلامك بخمسين دينارا وهو حر على الإيجاب، فقال: نعم، فقال: قد بدا لي، فقال: ليس ذلك له وهو حر، وهو بمنزلة ما لو قال: غلامي فلان لي بخمسين دينارا إن رضي وهو حر فرضي، فالبيع له لازم، ولم تزده الحرية إلا قوة.
قال محمد بن رشد: إنما الذي قال: اشهدوا أن غلام فلان لي بخمسين دينارا، وهو حر إن رضي فلان أن يبيعه بذلك، فهو كما قال من أنه حر ولا رجوع لواحد منهما فيما رضي به؛ لأنه بيع قد انبرم بينهما وتم بما أشهد به المبتاع على نفسه من التزامه العبد بالخمسين، وإمضاء البائع له البيع فيه بذلك لقوله: قد رضيت، وإذا التزم المبتاع الشراء لزمته الحرية، وأما قول مالك في الذي يقول: اشهدوا أن غلام فلان حر من مالي، فإن فعلت كذا وكذا، فقد مضى الكلام فيه فوق هذا في هذا الرسم وما يدخله من الاختلاف، فلا معنى لإعادته؟ وأما الذي يقول لرجل: تبيعني غلامك بخمسين دينارا- وهو حر على الإيجاب، فقال: نعم، فقوله فيه: إن ذلك يلزمه، بمنزلة ما لو قال غلام فلان لي بخمسين دينارا- إن رضي- صحيح، وإنما كان بمنزلته، من أجل قوله على الإيجاب، ولو قال: تبيعني غلامك بخمسين دينارا أو هو حر- ولم يقل على الإيجاب، فقال له: نعم، لما كان بمنزلة قوله: غلام فلان لي بخمسين دينارا؛ لأن قوله: غلام فلان لي بخمسين دينارا إن رضي، إيجاب منه على نفسه شراءه بخمسين دينارا. وقوله: تبيعني غلامك بخمسين دينارا مساومة، يختلف إن قال له البائع: قد بعتك إياه بالخمسين، هل يلزمه الشراء أم لا؟ وقد مضى بيان هذا في أول الرسم، وقد مضى تحصيل القول فيه في أول رسم من سماع أشهب من كتاب العيوب، وبالله التوفيق.